Blog

مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب.. هل يعيد إحياء الصناعة العربية؟

مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب.. هل يعيد إحياء الصناعة العربية؟

مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب.. هل نتعلم الدرس الياباني؟

منذ فترة طويلة وأنا أفكر جديا في إطلاق مدونتي الخاصة حول السينما وصناعة الأفلام حتى أشارككم أسرار الفن السابع وتحدياته وكواليس صناعته، لكن وسط العديد من الالتزامات كانت الفكرة مشروعاً مؤجلاً أكثر من مرة، حتى شاركت مؤخرا في مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب 2019، بصفتي عضوة في لجنة التحكيم للأفلام الروائية الطويلة، ولا أخفي عليكم سعادتي ومدى فخري بهذا الحدث الذي يعتبر المهرجان السينمائي الأول للأطفال والشباب في المنطقة العربية.

يحمل المهرجان رسالة سامية تهدف نشر التعليم والإبداع والثقافة والدعوة إلى احترام ثقافة الشعوب المتنوعة وفكرة التعايش السلمي بين البشر، وفي اعتقادي الشخصي أن الاهتمام بالأطفال والناشئة تعد خطوة البداية الصحيحة، لذلك اكتملت سعادتي بعد إضافة فئة الشباب لمسمى ورسالة المهرجان هذا العام بناء على تعليمات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، كما جاء شعار المهرجان “أفلام مستوحاة من كتب”، للاحتفاء بنيل إمارة الشارقة لقب العاصمة العالمية للكتاب 2019.

وتنطلق رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة للمهرجان، من اهتمامه الكبير بالثقافة والمعرفة، مما ساهم في تحويل الشارقة إلى منارة وعلامة بارزة في الخارطة الثقافية العالمية، وبعدما كان المهرجان مخصصاً للطفل، لمس سموه ضرورة إضافة فئة الشباب إلى المهرجان لكي تتسع مظلة المهرجان إلى المزيد من الأجيال، الأكبر سناً بما يساعد على الارتقاء بسينما الأطفال والشباب ووضع بصمة عربية خاصة تعكس أحلام وتطلعات الأجيال الشابة، وذلك عن طريق التواصل والتفاعل مع مدارس سينمائية مختلفة من كافة أنحاء العالم لاكتساب الخبرات اللازمة لصنع تجارب عربية ملهمة.

نعود إلى الأطفال والشباب والمحتوى الموجه لهم في ظل التحديات التي أصبحت أكبر لأننا نعيش في عالم مفتوح لم يعد يعرف عوائق أو حدود للسيطرة والرقابة على المحتوى، نستقبل فيه كل يوم مئات الأفكار الجديدة والمفاهيم الغربية، وبالتالي فإن الأطفال والشباب هم أكثر الفئات استحقاقا لمحو الأمية الإعلامية والتثقيف السينمائي، وبلا شك فإن الفنون هي أقدر الأليات بلا منازع للارتقاء بعقول الأجيال القادمة وصقل مخيلتهم وقدراتهم الابداعية وتذوق الجمال عبر الشاشة الفضية.
ومن وجهة نظري، يقدم المهرجان تجربة متكاملة لعدة أسباب، حيث يؤمن منصة هامة لعرض أفلام الطفل والناشئة، مما يشجع صناع السينما المحليين والمبدعين على إنتاج أعمالهم وضمان عرضها وترويجها جماهيريا مما يزيد من تدفق الإنتاج السينمائي للأطفال والشباب، كما أن المهرجان يعرض تجارب عالمية ملهمة، بمشاركة 132 فيلماً من 39 دولة، مما يذكرنا بالمهرجانات الأوروبية الكبيرة.

أما الدور التدريبي والتوعوي للمهرجان فهو يسعى لتعزيز مواهب وإبداعات الأطفال والشباب وتثقيفهم حول الفن السابع، وتدريبهم حتى يكونوا هم صناع السينما بالمستقبل، وعرض انتاجاتهم وتجاربهم السينمائية عبر قسم أفلام من صنع الأطفال والناشئة، الذي يمثل فرصة ذهبية لرصد قضاياهم وطرحها بوجهة نظرهم الشخصية التي تحاكي الواقع بشفافية.

ولا يجب أن ننسى حالة التواصل والاحتكاك المباشر بين السينمائيين الذين يستضيفهم المهرجان، والأطفال والشباب عبر ورش التدريب واللقاءات، مما يصقل مواهب ومدارك الصغار ويفتح أمامهم أفاقا جديدة على عالم السينما، كما يجعل الكبار أكثر انفتاحا وتفهما لهذا لعالم الأطفال حتى يدركوا ما يدور في أعماق هؤلاء الصغار.

ورغم سعادتي الغامرة بحالة الاحتفاء بالمهرجان ونجاحه وجذبه لعدد كبير من الأفلام من مختلف دول العالم، إلا أن ذهني لم يتوقف عن التفكير في حاضر السينما في مخيلة الأطفال العرب خياله فارغاً يسكنه أبطال هوليوود الخارقين وقصص ديزني المدبلجة، التي قد لا تتناسب مع عقليته وتربيته ودينه، ونفس الأمر ينطبق على أفلام المراهقين المقدمة من شركات إنتاج عالمية وحتى الدراما الكورية التي أصبح الشباب العربي من عشاقها مؤخراً.

وقفز هذا التساؤل إلى رأسي وظل يلح علي بشدة، وأنا أشاهد الفيلم الياباني المشارك بالمهرجان “The Traveling Cat Chronicles”، الذي يتميز بسرد واقعي وصورة جمالية مثيرة مع تقنيات متطورة خلال عرض علاقة البطل بالحيوان، لتؤكد التجربة اليابانية في عالم الرسوم المتحركة أهمية تقديم فن قومي، يحافظ على هوية الأطفال والشباب وعادات مجتمعاتهم بل وتنافس عالمياً لتواجه المد الغربي بقصص نابعة من قلب الهوية الوطنية.
وأستطيع أن أؤكد لكم أن اليابان حققت ما كانت تريده بالفعل، حتى أن بعض الدراسات تتحدث عن دور شخصيات الأنيمي في خلق أبطال قوميين أعادوا ثقة الأطفال في وطنهم بعد كارثة الحرب العالمية الثانية، كما تصدى هذا الفن للتيار الغربي وانتشر عالمياً حتى وصل إلى هنا وأثر في جيل كامل من العرب ويحقق إيرادات وعائدات مالية هائلة.

وأرجو منكم مشاركتي في الإجابة على تساؤلاتي، لماذا لا نقدم على تجربة مماثلة مثل اليابان ولماذا نكتفي بحقوق الدبلجة إذا ما كنا نستطيع المنافسة؟ وربما قدمنا بعض التجارب في الماضي لكننا نواجه حاليا مشكلة البحث عن أسهل الحلول، ونقبل على استيراد سينما غربية تستقر في العقل الباطن للأطفال والشباب وتجعلهم في حيرة وصراع نفسي بين ما يشاهدونه على الشاشة، وأبطالهم المفضلين وبين ما يطلبه الآباء عند تربية أبنائهم بشكل يتماشى مع خصوصية المجتمع العربي، وبما يواكب المراحل العمرية المختلفة من الطفل إلى المراهق واليافع.
ولقد شاهدت لقاء سابق للمخرج الياباني الشهير، كوبون شيزونو مخرج سلسلة “المحقق كونان” عبر قناة العربية، قال فيه هناك تحدي كبير لإنتاج أعمال إنيمي عربية، تراعي الثقافة العربية والعادات والتقاليد، لذا يراجعون النصوص أولاً بأول، لتكون الأفلام مناسبة لهذه الثقافة وجذابة في ذات الوقت، وأكد أن محاولة المزج بين الثقافة العربية واليابانية ستخرج إنتاجاً رائعاً، وهو ما يؤكد الاهتمام الياباني الشديد بهذه الصناعة.. فهل نهتم نحن؟
وفي رأيي أن كل ما ينقصنا فقط هو إرادة حقيقية لصناعة أفلام عربية للطفل والناشئة، نستغل فيها جماليات الصورة والكادر، وقصصنا التراثية وجميع آليات الفن السابع، بجانب تكاتف جميع الجهود والخبرات العربية المبدعة خلف المشروع لدفعه إلى الأمام واستغلال هذه الصناعة العملاقة والمتنامية بالعالم.

لكن من يدري، ربما احتفل معكم العام القادم باستقبال وليد عربي جديد وبالتحديد إماراتي ينتمي لسينما الأطفال والشباب في فعاليات مهرجان الشارقة 2020، لأنني على يقين أن قيادتنا الرشيدة تملك هذا الحلم وتسخر كل السبل لتحقيقه.

Write a comment